فصل: 66 الآية الخامسة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في سورة الحجر 32-34: {قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين* قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون* قال فاخرج منها فإنك رجيم}.
وقال في سورة ص75: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} الآية، قال: {أنا خير منه} الآية سورة ص: 76.
للسائل أن يسأل فيقول: إذا كان هذا في قصة واحدة، ووقع في كلام الله تعالى حكاية عما قال إبليس، وعما قيل له عندما يظهر من عصيانه، فلماذا اختلفت الحكايتان والمحكي شيء واحد؟
والجواب ما قلته فيما قبله، وأقوله فيما بعده من أن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بأعيانها، وإنما المقصود ذكر المعني، فإن الألفاظ إذا اختلفت وأدت المعنى المقصود كان اختلافها واتفاقها سواء.
فقوله عز وجل هاهنا: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} وقوله في سورة الحجر 32: {إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين} وقوله في سورة ص 75: {.. يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} أقوال ثلاثة، في بعض ألفاظها اختلاف وفي المعنى اتفاق، وهي: {ما منعك أن تسجد} و{ما منعك ألا تسجد} و{ما لك ألا تكون مع الساجدين}.
فأما قوله: {لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} سورة ص: 75 فيه زيادة إخبار عن حال لم تكن في الآيتين المتقدمتين، ولم يقل عندهما إنه لم يكن هناك خطاب إلا ما حكيناه فيهما، فتكون الزيادة معدودة في الاختلاف.
وأما قوله، وهو حكاية ما كان من جواب إبليس في سورة الأعراف 12 وفي سورة ص 76: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} وفي سورة الحجر 36: {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون}.
فغنه يحصل للسامع في الآيات الأربع معنى واحد، وهو ذكر ما حمله على ترك السجود لآدم عليه السلام، لما كان مخلوقا من النار، وآدم مخلوقا من الطي، ورأى أصله أشرف من أصله، وإن كان في إحداهما ذكر بعض ما دعاه إلى ما فعل، وفي الآخر ينكر كله من مقابلة أصله بأصله، وتوهمه أنه أشرف، إن سجود الأشرف لما دونه لا يجوز.
وكذلك ما حكاه الله تعالى من قوله له في سورة الأعراف 13 {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} لا يخالف قوله في سورة الحجر 34-35: {قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} ولا يخالف أيضا قوله في سورة ص 77-78: {قال فاخرج منها فإنك رجيم *وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} لأنه إذا أمره بالخروج من الجنة أو من السماء فقد أمره بالهبوط إلى الأرض.
وقوله: {وإن عليك اللعنة} الحجر: 35 و{لعنتي} واحد، لأن اللعنة في الحقيقة إبعاد الله من يعصيه عن الخير، ثم لعن الملائكة والناس من التبع للعنة، نعوذ بالله منها.

.63 الآية الثانية منها:

قوله تعالى: {قالانظرني إلى يوم يبعثون* قالإنك من المنظرين} الأعراف: 14-15.
وقال في سورة الحجر 36-38 وسورة ص 79-81: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم}.
للسائل أن يسأل عن إدخال الفاء في قوله: {رب فأنظرني} في سورتي الحجر وص، وحذفها منه في سورة الأعراف؟
والجواب أن يقال: إن قوله: {أنظرني} في سورة الأعراف وقد مستأنفا، غير مقصود به عطف على ما يقع به هذا السؤال عقيبه فلم يحتج إلى الفاء.
والجواب أيضا: لما لم يكن إجابة له إلى ما طلب لم يكن أيضا معطوفا عليه بالفاء، وإنما سأل تأخير اجله، فقال: {إنك} ف حكمي ممن أخر أجله، لا لأجل مسألتك.
وأما في الآيتين في سورتي الحجر وص فإنه قال عز من قائل: {قال رب فأنظرني} وجاء بعد إخبار الله بلعنه له، فكأنه قال: يا رب إن لعنتي وآيستني من الجنة فأخر أجلي إلى يوم يبعثون، ويوم يبعثون هو يوم القيامة، لا يوم الإماتة، فلم تقع الإجابة إلى ما طلب، لأنه قال: {فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم} أي: إلى الوقت الذي هو آخر أوقات الأحياء فاقتضى إضمار إن لعنتي يا رب أن يأتي بالفاء فيقول: فأنظرني ويأتي في جوابه بها وهو قوله: {فإنك من المنظرين}، لأن التقدير: إن طلبت تأخير الأجل وتنفيس المهل من أجل أن لعنت فإنك مؤخر الموت لما حكمت به لك، لا لإجابتك إلى مسألتك، فهو معطوف على السؤال عطف الكلام على الكلام الذي يقتضيه، لا عطف الإيجاب على السؤال، لأن الله تعالى لم يجب عاصيا مثله إلى ما يسأل.
فدخول الفاء في الموضعين لتقدم ذكر العن وأن المعنى: وأن المعنى: إن آيستني من رحمتك فأخر أجلي لأنال من عدوي الذي كان سبب ذلك ما أقدر عليه من الإغواء له، ولكم يكون من نسله، واستشفى بذلك لجهله، نعوذ بالله من طاعة الهوى المؤدي إلى سبيل الردى.

.64 الآية الثالثة منها:

قوله تعالى: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: 16-17.
وقال في سورة الحجر 39-40: {قال رب بما أغويتني لأزينهن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين}.
وقال في سورة ص 82-83: {قال فبعزتي لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين}
للسائل أن يسأل في هذه الآي عن شيئين: أحدهما: اختلاف المحكيات، ففي موضع {فبما أغويتني} وفي موضع {رب بما أغويتني} وفي الآخر {فبعزتك}؟
والثاني: حذف الفاء في سورة الحجر من قوله: {رب بما أغويتني} وإثباتها في الآيتين الأخريين؟.
والجواب عن اختلاف الألفاظ المحكية ان يقال متى حملت الباء على القسم في قوله: {فبما أغويتني} و{رب بما أغويتني} في الآيتين بشهادة الآية الثالثة، وهي: {فبعزتك} لم يكن هناك اختلاف في المعنى، لأن المراد في قوله: {بما أغويتني}: بإغوائك إياي، وهو يحتمل وجوها من المعاني.
أحدهما: أن يكون المراد: بتخييبك إياي لأجتهدن في تخييبهن في تخييبهم، وهذا ظاهر الكلام، لأن القسم متلقى بالام، ولأن قوله: {فبعزتك} في مقابلتهما من الآية الأخرى وتخييب الله إياه هو بعزته، ومنه قول الشاعر:
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

أي: من يخب لم ينل خيرا يشهد لذلك صدر البيت، وهو:
فمن يلق خيرا يحمده الناس أمره

والثاني أن يكون المراد بإهلاكك إياي بأن لعنتي، وهذا الفعل أيضا عزة من الله تعالى.
وكذلك إن حمل على معنى الحكم بغوايته فهو عزة من الله تعالى.
وإذا كان كذلك تساوت في المعنى، وكل قسم، والإغواء الذي هو التخييب أو الإهلاك أو الحكم بالغواية، كل ذلك عزة من الله تعالى، فالقسم به كالقسم بعزته.
والجواب عن السؤال الثاني، وهو حذف الفاء من قوله: {رب بما أغويتني} ولأن الدعاء في الصدر يستأنف بعده الكلام، والقصة غير مقتضاة لما قبلها كما إقتضاه قوله: {رب فأنظرني} والفاء توجب ما بعدها بما قبلها.
والنداء أولا يوجب القطع واستئناف الكلام لاسيما في قصة لا يقتضيها ما قبلها، فلم تحسن الفاء مع قوله: {رب بما أغويتني}، والموضعان الآخران لم يدخل الكلام فيهما نداء يوجب استئناف ما بعده، فلذلك وصل القسم فيهما بالأول بدخول الفاء.

.65 الآية الرابعة منها:

قوله تعالى: {..فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين* الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون} الأعراف: 44-45.
وقال في سورة هود: 18-19: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين *الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون}.
للسائل أن يسأل عن إعادة هم في قوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} في سورة هود، وترك ذلك في سورة الأعراف؟.
والجواب أن يقال: إن الذي في سورة الأعراف جاء على أصله غير مزيد فيه ما يجري مجرى التوكيد، والذي في سورة هود جاء بعد قوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذي كذبوا على ربهم} فأشير إليهم، ثم قال: {ألا لعنة الله على الظالمين} فأظهر ذكر الظالمين في موضع الإضمار، ولو أجرى على الحكم في إضمار الاسم عقيب الذكر لكان: ألا لعنة الله عليهم لأن المراد ب الظالمين هم المشار إليهم بقوله: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم}.
فلما أظهر مكان الإضمار تضمن معنى هم، أي: الظالمون هم الذين كذبوا على ربهم، وأشير بالكلام المتقدم إليهم، فلما استمر الكلام على الإضمار بعد ذكر الظالمين صار الظاهر كأنهم غير المشار إليهم بقوله: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} فأعيد هم في قوله: {هم كافرون} لتحقق الكفر عليهم بنسبة الأوصاف المتقدمة إليهم، وأولها كذبهم على ربهم، ثم ظلمهم لأنفسهم، وصدهم عن سبيل الله، وأولها كذبهم على ربهم، ثم ظلمهم لأنفسهم، وصدهم عن سبيل الله، ووصفهم لها بدل الاستقامة بالاعوجاج، وكفرهم وصدهم عن سبيل الله، ووصفهم لها بدل الاستقامة بالإعوجاج، وكفرهم في هذه الأفعال بالله واستحقاقهم به، عقوبة الله في الآية. فلما لم يصرف الخبر الثاني في سورة الأعراف مصرف ما ليس هو بالأول لم يحتج إلى توكيده.
ولما عدل في سورة هود عن إعادة الضمير إلى الأول، ووضع مكانه ظاهر يحتمل أن يكون غير الأول، وعنى هم أنهم هم، كان الموضع موضع توكيد لتحقيق الخبر عنهم بالكفر، وتثبيته عليهم بأوكد لفظ، لأنا لما قلنا: هم هم، فهو المعاد المعاد في قوله: {وهم بالآخرة هم كافرون}، إلا أنا نبين بذلك المكان مكان توكيد لنفرق بينه وبين الأول.

.66 الآية الخامسة منها:

قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء} الأعراف: 57.
وقال في سورة الفرقان: 48: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وانزلنا من السماء ماء طهورا}.
وقال في سورة الروم 48: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله}.
وقال في سورة الملائكة 9: {والله أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور}.
للسائل أن يسأل فيقول: هذه الآي الأربع قد خصت آيتان منها بقوله: {يرسل} على لفظ المستقبل، وآيتان بقوله: {أرسل} على لفظ الماضي، فهل في كل مكان ما قتضي اللفظ الذي خصه، أم كل جائز لو جاء عليه؟
والجواب أن يقال: بل لكل ما يوجب في الإختيار اللفظ الذي جاء عليه، وإن كان وصف الله عز وجل بأنه أرسل الرياح فبسط بها السحاب فساقه فأنزل منه الأمطار فأحيا بها البلاد، كوصفه بأنه يفعل ذلك في المستقبل، لأنه قادر كما كان، وقد عودنا فعل ذلك وأعلمناه مشاهدة.
إلا أن الآية التي في سورة الأعراف جاء فيها {يرسل} بلفظ المستقبل، لأن قبلها: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين* ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين}. الأعراف: 55-56 فكان في ذلك بعث على الدعاء والتضرع، وتعليق الخوف والطمع بما يكون منه من الرحمة وصنوف ما رزق الله الخلق من النعم فكان لفظ المستقبل أشبه بموضع الخوف والطمع للداعين، وأدعى لهم إلى الدعاء.
وأما في سورة الفرقان، ومجيء هذا اللفظ فيها بلفظ الماضي فلأن قبل الآية: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا* وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا* وهو الذي أرسل الرياح} الفرقان: 45-48 فلما عدد أنواع ما أنعم به، وكان إرسال الرياح من جملة عده مع ما تقمه، وأخبر منه عما فعله وأوجده.
وأما في سورة الروم فغن قبل الآية: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجزي الفلك بأمره} الروم: 46، فبنى قوله: {الله الذي يرسل الرياح} على البناء الذي جعل عليه ما هو من آياته، فحث على الاعتبار بما يعتاد من فعله تبارك الله سبحانه وتعالى.
وأما في سورة الملائكة، واختيار لفظ الماضي فيها على المستقبل فلأن أولها: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا} فاطر: 1 بمعنى فطر وجعل، وخاتمة هذه العشر من مبتدأ السورة: {والله الذي أرسل الرياح} فاطر: 9 فلما اقترح العشر من أول السورة بالتمدح بما صنع أتبعه ما كان من جنسه مما فعل، فكان اختيار لفظ الماضي هاهنا، فافهمه فإنه يفتح عليك ما يشبهه إن شاء الله تعالى.